تدخل المعركة العالمية ضد التضخم مرحلة جديدة.
فبعد انخفاض حاد في الضغوط التضخمية العام الماضي، بدأت البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة خفض أسعار الفائدة بجدية الصيف الماضي .
ومع ذلك، أثبتت محاولة إعادة التضخم إلى هدف 2% بشكل مستدام أنها تحدٍ صعب.
ومع اقتراب نهاية العام، تلوح تهديدات تضخمية جديدة في الأفق، ما يجعل مسار أسعار الفائدة مستقبلاً أكثر غموضاً.
وخفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس يوم الأربعاء، لكنه أعطى الأسواق درساً واقعياً من خلال توقعاته، حسب ما نقلته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
وكان المستثمرون يتوقعون استمرار تطبيع أسعار الفائدة والتضخم العام المقبل، لكن مخطط النقاط الذي أصدره البنك لتوقعات أسعار الفائدة لعام 2025 أظهر تخفيضات أقل مقارنة بالتوقعات السابقة للانتخابات الأمريكية، كما تم رفع التقديرات للتضخم.
وقد أنهى هذا الإعلان الصعود المستمر لمؤشر “ستاندرد آند بورز 500” خلال العام الحالي.
كانت “المرحلة الأخيرة” من معالجة التضخم تمثل تحدياً خاصاً للاحتياطي الفيدرالي، فقد ارتفع مقياس التضخم المفضل لديه، وهو الإنفاق الاستهلاكي الشخصي الأساسي السنوي، ببطء بعد أن انخفض إلى 2.6% في يونيو.
ومع ذلك، فإن هذا الارتفاع الطفيف لا يُعتبر مدعاة كبيرة للقلق، إذ أنه ناتج عن مرونة الاقتصاد وارتفاع التضخم المرتبط بالإسكان، الذي يتباطأ حالياً بعد أن كان متأخراً عن مكونات أخرى.
ومع بقاء سعر الفائدة عند 4.25% إلى 4.5%، لا يزال موقف السياسة النقدية مقيداً نسبياً.
والقلق الأكبر الآن هو ما قد يأتي من ضغوط سعرية جديدة.
فوز دونالد ترامب بالانتخابات يغير حسابات الاحتياطي الفيدرالي، فخططه الرئيسة، بما في ذلك فرض تعريفات جمركية على شركاء التجارة الأمريكيين، وخفض الضرائب، وتقليل الهجرة، ستضيف ضغوطاً تضخمية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام ترامب لعدم اليقين كأداة، لا سيما في التجارة، يجعل من الصعب التنبؤ بكيفية ومدى تنفيذ خططه.
ولم يساعد خطر الإغلاق الحكومي الذي يلوح في الأفق مؤخراً في تهدئة المخاوف.
وأقر رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول بأن أعضاء اللجنة بدأوا يأخذون تأثير سياسات ترامب في الحسبان أثناء إعداد توقعاتهم.
تمتد تأثيرات أجندة الرئيس المنتخب إلى توقعات البنوك المركزية الأخرى.
في المملكة المتحدة، أشار بنك إنجلترا إلى أن عدم اليقين التجاري قد “زاد بشكل كبير” أثناء قراره بالإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير يوم الخميس، لكن المسار التضخمي في بريطانيا يتأثر أيضاً بعوامل محلية.
فبعد أن انخفض التضخم السنوي إلى أقل من 2% في سبتمبر، عاد إلى الارتفاع ليصل إلى 2.6%.
كما أن ميزانية الخريف، التي تضمنت زيادات ضريبية ورفع الحد الأدنى للأجور، ستزيد من تكاليف الأعمال.
ومع ذلك، فإن ضعف النشاط التجاري قد يخفف بعض الضغوط التضخمية.
كما أضافت بيانات سوق العمل ذات الجودة المنخفضة مزيداً من التعقيد لتحديد أسعار الفائدة.
وبالنسبة لمنطقة اليورو، فقد خالف “البنك المركزي الأوروبي” الاتجاه، إذ أعربت رئيسة البنك كريستين لاجارد عن تفاؤلها مؤخراً، قائلة إن “أيام التضخم المرتفع الأكثر ظلاماً أصبحت خلفنا”.
وخفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس هذا الشهر، وأشار إلى تخفيضات أخرى في بداية العام الجديد.
وبالفعل، كان التضخم معتدلاً، حيث بقي قريباً من 2%.
لكن التحدي في منطقة اليورو يتمثل في الضعف العام للاقتصاد، الذي قد يتفاقم إذا مضى ترامب قدماً في تصريحاته برفع التعريفات الجمركية.
يوم الجمعة، هدد الرئيس المنتخب عبر وسائل التواصل الاجتماعي بفرض رسوم على الاتحاد الأوروبي إذا لم يشتر البترول والغاز الأمريكي بكميات كبيرة.
كما أن مسار السياسة المالية في المنطقة لا يزال غامضاً بسبب عدم الاستقرار السياسي في فرنسا وألمانيا، مما يؤثر على خطط الضرائب والإنفاق.
في حين أن دورة رفع أسعار الفائدة كانت إلى حد كبير سلسة ومنسقة، فإن دورة الخفض تبدو متقطعة ومختلفة بشكل متزايد.
ورغم أن البنوك المركزية تستحق التقدير لإدارتها صدمة التضخم العالمية في 2021-2022، إلا أن التحديات المحلية وتأثيرات “ترامب 2.0” الاقتصادية المتنوعة وغير المؤكدة أصبحت تشغل بالها بشكل أكبر.
ومهمة محافظي البنوك المركزية، وعلى رأسهم جيروم باول، لن تصبح أسهل في عام 2025.