“الاستسلام الكبير”.. كيف حوّل ترامب خصومه السياسيين والأثرياء إلى داعمين؟

في حفل أقيم الشهر الماضي داخل مار-أ-لاجو، منزل الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في فلوريدا، وقف الحضور بينما عُزف نشيد وطني بنسخة خاصة غناها سجناء متهمون بالمشاركة في أحداث السادس من يناير 2021، وبين الحضور كان مارك زوكربيرج مؤسس “فيسبوك”، الذي مثّل وجوده تحولًا دراماتيكيًا في موقفه تجاه ترامب.

“الاستسلام الكبير”.. كيف حوّل ترامب خصومه السياسيين والأثرياء إلى داعمين؟

وزوكربيرج، الذي قادت شركته حملة لمنع “ترامب” من استخدام منصاتها بعد أحداث الكونجرس العاصفة، وجد نفسه الآن داخل ما وصفه البعض بـ”البيت الأبيض الشتوي” للرئيس المنتخب. هذا التحول ليس فريدًا؛ فقد انضم إليه رؤساء شركات تقنية أخرى، إلى جانب رؤساء تحرير إعلاميين، في موجة وصفها المحللون بـ”الاستسلام الكبير”.

الزخم والانتصار

وبعد خسارته الانتخابات عام 2020 ومواجهة اتهامات قانونية متعددة، بدا أن ترامب قد خرج من الساحة السياسية، لكن انتصاره في انتخابات 2024 ضد كامالا هاريس أعاده بقوة إلى المشهد، هذا الفوز ترافق مع زخم شعبي وقضائي، حيث أصدرت المحكمة العليا قرارًا يمنح الرؤساء حصانة شبه مطلقة، ما زاد من نفوذه، وفقًا لصحيفة “الجارديان” البريطانية.

والمحلل السياسي ستيف شميت وصف الوضع بقوله: “ترامب يعود كرئيس أقوى في تاريخ أمريكا، إنه قيصر أمريكي جديد، غير مقيد بالقوانين التقليدية”، وأضاف “شميت” أن قدرة “ترامب” على الجمع بين الجزرة والعصا، من خلال تقديم امتيازات اقتصادية وتهديدات واضحة، جعلت منه شخصية يخشاها الأثرياء والسياسيون على حد سواء.

ولم يقتصر الاستسلام على السياسيين، بل امتد إلى قادة الأعمال. قام رؤساء تنفيذيون مثل تيم كوك من “آبل”، وسوندار بيتشاي من “غوغل”، وجيف بيزوس من “أمازون” بزيارة مار-أ-لاجو للتقرب من “ترامب”، حتى “بيزوس”، الذي كان من أشد منتقدي “ترامب” في السابق، أعرب عن تفاؤله بالفترة الرئاسية الثانية للرئيس المنتخب، مشيرًا إلى دعمه لخططه الاقتصادية.

ومن اللافت أيضًا أن شركات كبرى مثل “ميتا” و”أمازون” و”أوبر” أعلنت عن تبرعات بملايين الدولارات لصندوق تنصيب “ترامب”، في خطوة تعكس التحول في مواقفها السابقة.

خوف ومهادنة

ووسائل الإعلام لم تكن بمعزل عن هذه التحولات؛ شبكة “أيه بي سي”، المملوكة لشركة ديزني، دفعت مبلغ 15 مليون دولار لتسوية دعوى قضائية رفعتها حملة “ترامب”. في الوقت نفسه، أجرى مالكو وسائل إعلام أخرى تغييرات تحريرية؛ لضمان تقديم تغطية “أكثر توازنًا”، في محاولة واضحة لكسب رضا “ترامب”.

وبعض الصحفيين، مثل جو سكاربورو من “إم إس إن بي سي”، تعرضوا لانتقادات بسبب زيارتهم لمار-أ-لاجو، ما أثار تساؤلات حول مصداقية وسائل الإعلام في التعامل مع الرئيس المنتخب. والمحللة السياسية تارا سيتماير علقت على ذلك قائلة: “تصرف وسائل الإعلام بدافع الخوف يجعلها تفقد دورها الأساسي في الحفاظ على ديمقراطية حرة ونزيهة”.

والجمهوريون في الكونغرس أظهروا استعدادهم لدعم اختيارات “ترامب” المثيرة للجدل لمجلس الوزراء، مثل تعيين بيت هيغسيث لوزارة الدفاع وروبرت إف كينيدي جونيور لوزارة الصحة. حتى بعض الديمقراطيين، مثل عمدة نيويورك إريك آدامز، أبدوا استعدادًا للعمل مع إدارة “ترامب” الجديدة.

وعلى المستوى الدولي، توجه قادة مثل فيكتور أوربان وجاستن ترودو إلى مار-أ-لاجو في زيارات عكست محاولاتهم للحفاظ على مصالح بلدانهم في مواجهة رئيس لا يتردد في استخدام العقوبات الاقتصادية لتحقيق أهدافه.

مستقبل غامض

وبينما يحتفل “ترامب” بعودته إلى السلطة، يحذر المحللون من تداعيات هذا “الاستسلام الكبير”، فالمؤرخ تيموثي سنايدر أشار إلى خطورة الوضع قائلًا: “استعداد وسائل الإعلام ورجال الأعمال للرضوخ لترامب يهدد المعايير الديمقراطية ويشجع على إسكات المعارضة”، مضيفًا: “إن هذا النهج قد يقود الولايات المتحدة نحو نموذج الديمقراطية غير الليبرالية”.

مع دخول “ترامب” فترة رئاسته الثانية، يبقى السؤال مطروحًا: هل ستتمكن المؤسسات الأمريكية من الوقوف في وجه رئيس يملك قوة غير مسبوقة؟ أم إن الاستسلام سيصبح القاعدة الجديدة؟

close